الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ماهر إسماعيل

تعيش المسألة السورية وضعية الثبات "الستاتيكي" منذ العام 2019، بسبب عدم الرغبة الدولية في وضع الحل السياسي على طاولة المفاوضات، خصيصاً من جانب الإدارات الأمريكية، والحكومات الإسرائيلية، وعدم قدرة الإدارة الروسية، ومسار أستانا، على بلورة حل سياسي وفق مسار جنيف والقرار الأممي 2254 الذي يعتبر المسار الوحيد الذي يحظى بدعم سياسي أممي ودولي قابل للحياة بعيداً عن الهيمنة والسيطرة الروسية والإيرانية، وانحصار أوضاع الفصائل المسلحة (العسكرية)، وحصرها في الشمال الغربي (مدينة إدلب وريفها)، والاتفاق الروسي - التركي، على تثبيت هذه المناطق كما هي في العام 2020، مع محاولة تقليص سيطرة جبهة النصرة (تحرير الشام) على المدينة، والشمال الشرقي لدى (قسد)، والقوات الأمريكية، ومناطق سيطرة النظام، وفي الجنوب هيمنة روسية (وتقليص الوجود الإيراني).

كل ذلك تحت أنظار الإسرائيلي والأمريكي اللذين لا يرغبان في تغيير هذا الواقع السوري المتعفن، بل يرغبان في دفعه نحو المزيد من التعفن والاستنقاع (السياسي، الاقتصادي، والمجتمعي)، خصيصاً في مناطق سيطرة النظام، حيث كل المواد بالقطارة من الوقود (البنزين، المازوت، والغاز) إلى المواد الغذائية الأساسية (الخبز، السكر، الرز، والزيت النباتي)، ويضاف إلى ذلك قانون قيصر الذي يعمل على إغلاق العديد من البوابات التي تحاول الأنظمة المطبعة مع النظام السوري فتحها لمد يد العون للنظام في مرحلة الحصار الجديدة بعد استقرار الوضع العسكري على ما هو عليه الآن.

إن ما تعانيه الحالة السورية من تعفن يظهر بكل وضوح من تخبط النظام وحكومته العتيدة في التعامل مع المواطن السوري، الذي تصرّ هذه الحكومة على تصنيفه طبقياً وفرزه من أجل حلبه (بوضع ضرائب جديدة، وتحديث القديمة وزيادتها لمصلحتها) كجابٍ من نوع ممتاز، وما عملية رفع الدعم عن آلاف الشرائح من المجتمع السوري سوى أحد وسائل التعفن والاستنقاع، وهذا ما يثير ويدفع هذه الشرائح والفئات، بالإضافة إلى الشرائح والفئات المتضررة سابقاً، إلى الشارع، في المناطق التي سيطرة النظام فيها هشة، والتي تتمتع بخصوصية مثل (السويداء وريفها)، وجانب آخر من التعفن الذي تعمل على زيادته الحكومة هو ما وزعته وزارة الزراعة ومؤسسة إكثار البذار من بذور الشوندر السكري لمزارعي الغاب، حيث كانت البذار غير صالحة، مما أدى إلى محصول غير صالح لتسليمه إلى المؤسسة التي ترسله إلى معمل سكر الغاب، وهذا ما أشارت إليه العديد من المواقع والصفحات بتواطؤ الوزارة مع مستوردي مادة السكر.

إن آثار هذا التعفن والاستنقاع لم تصل إلى ذروة جديدة تضع الحكومة والنظام أمام استحقاق نوعي جديد في جميع مناطق سيطرة النظام بسبب الخوف من آلية تعامل النظام وداعميه مع الاحتجاجات والمظاهرات السلمية القديمة في العام 2011. ويترافق ذلك مع الرغبة الإسرائيلية - الأمريكية بالتقسيم الجوهري الأساسي لسوريا بما هي عليه الآن كنموذج لدول شرق المتوسط، فهي والعراق من حيث الشكل دولة واحدة بحكومة مركزية ضعيفة، ومناطق سيطرة وهيمنة للتداخلات الدولية والإقليمية، بحيث لا تتيح للنظام الرئاسي المركزي إعادة إنتاج السيطرة والهيمنة بالشكل الذي كان سائداً قبل الثورة السورية في العام 2011.

هذه الرغبة القائمة تجعل من إسرائيل الدولة المركزية الوحيدة القادرة على الهيمنة والسيطرة على الإقليم، بما أنها في قلب ومركز هذا الإقليم، وذلك ما سعت إليه الحكومات الصهيونية الإسرائيلية لمخاطبة العالم بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة الديمقراطية والتي تراعي في (ديمقراطيتها) حقوق الإنسان وفق معايرها الخاصة بمواطنيها.

عملت الدول المتدخلة والمحتلة لسوريا على انتزاع حصصها في الملف والمسألة السورية منذ السنوات الأولى الثورة التي تحولت فيها إلى حرب على الأرض والإنسان السوري، فكل دولة رعت ما تريده من المعارضة السورية، حيث توزعت بين (التركي، القطري، الأمريكي، الروسي، والمصري)، ومن النادر جداً أن وجدت معارضة لم تحظَ بدعم دول، فهي نسبة قليلة جداً محسوبة على معارضة الداخل.

ومن أجل مشاركة الائتلاف بمؤتمر الدوحة، التقى ممثل الخارجية التركية (أردم)، وممثل المخابرات التركية (أبو حمزة)، وممثل الجهاز (هارون، والمترجم) قيادة الائتلاف، وقدم الجانب التركي ضمانات، أن رياض حجاب في لقائه مع الخارجية التركية أعطى ضمانات للخارجية أن مؤتمر الدوحة لن يخرج بجسم سياسي جديد، وعدم إلحاق الضرر بمسار أستانا واللجنة الدستورية، وعدم دعوة (مسد، قسد، وحزب الاتحاد  الديمقراطي الكوردستاني، b.y.d)، إلى المؤتمر حسبما (ذكرت قناة الميادين في تقرير لها)، وهذا ما شجع قيادة الائتلاف على الحضور والتفاعل الإيجابي باتجاه تفعيل المعارضة السورية عبر مجموعة من التوصيات التي أطلق عليها توصيات مؤتمر الدوحة.

إن توقيت مؤتمر الدوحة يأتي في الوقت الضائع، فلا وثائق سياسية اعتمدت سوى التوصيات وهي غير ملزمة لأحد، ولا دول داعمة للمؤتمر غير (الدوحة، والتركي)، وهما يسعيان لإعادة تصدير الأدوات الموجودة منذ العام 2012 في المعارضة السورية، ولإعادة تدوير الأدوات التي لم تستطيع تحقيق تقدم يذكر في ملفات التفاوض السورية منذ هيئة التفاوض العليا برئاسة حجاب ذاته إلى هيئة التفاوض الحالية المعطلة من جماعة الإخوان المسلمين والائتلاف بزعامة الطرابيش المدورة "نصر الحريري، أنس العبدة"، التي لم تستطع، حتى كتابة هذه الكلمات، تفعيل هيئة التفاوض المعطلة منذ نهاية العام 2019، بسبب نرجسية ومصالح الائتلاف والإخوان المسلمين وتركيا في استمرار الهيمنة والسيطرة على هيئة التفاوض من زاوية التصويت العديد، واختطاف الهيئة نحو تثبيت هذه الهيمنة والسيطرة السياسية القائمة، ورغم كل محاولات الإصلاح التي يدعو إليها الائتلاف إلا أن محصلتها حتى الآن طبخة بحصى.

إن المعضلة ليست في مؤتمر الدوحة كمؤتمر، وإنما في إعادة تدوير الهياكل المعارضة التي لا تستطيع فعل شيء مهم في الوقت الضائع، حيث مصالح الدول المحتلة والمتدخلة في المسألة السورية محققة بالتحاصص الحاصل على الأرض السورية، إذ إن التقسيم القائم والواقع يحقق مصالح الجميع إلا الشعب السوري الذي أصبح خارج الحسبان في المعادلة (السورية، الإقليمية، والدولية)، فالمسألة السورية تحتاج إلى توافق (دولي، إقليمي، وسوري)، حتى توضع على سكة الحل السياسي، وحتى هذه اللحظة لا توافق (دولي، إقليمي، وسوري)، لكي تكون المسألة السورية على سكة الحل السياسي، فلا توافق (أمريكي - روسي) على البحث الجدي في مسار الحل السياسي، وإنما هدن عسكرية مؤقتة، وتركيز على وضع إنساني خاص بالمساعدات عبر بوابات في الشمال، وتشديد على دخولها من بوابات النظام كمدخل للاعتراف بالنظام والتطبيع السياسي معه، ألم يكن من الأجدى وضع جلسة في المؤتمر لمناقشة خطة المبعوث الأممي، غير بيدرسون، "خطوة مقابل خطوة" التي يمكن أن تفرضها الأمم المتحدة والقوى الدولية (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي) في محاولة جديدة لتحريك الجمود السياسي الحاصل في اللجنة الدستورية وجولاتها السابقة الفاشلة في تحقيق تقدم ما، وهيئة التفاوض والنظام السوري الذي لم تستطع الأمم المتحدة ومبعوثها إقناعه في فتح سلة جديدة من سلال ديمستورا الأربع.

إن وضعية الثبات القائمة في المسألة السورية منذ نهاية 2019، وغير القابلة للتحريك بدون دفع دولي وإقليمي فاعل ليجعل من الحل السياسي اللفظي مساراً قابلاً للحياة بعيداً عن مؤتمرات المعارضة السورية غير الفاعلة، والتي لم تجدد وتفتح هياكل المعارضة القائمة لاستيعاب كل القوى (السياسية - الاجتماعية - والمدنية) السورية التي نشأت ما بعد المنصات (موسكو والقاهرة)، فالقوى السياسية والاجتماعية المدنية السورية الجديدة تستحق مؤتمرات، لأنها تمثل أجيالاً من المعارضة ولدت في رحم الثورة السورية، ربما تكون قادرة لوضع مقاربة سياسية جديدة، فهل تستطيع المعارضة الرسمية السورية استيعاب الأجيال الجديدة من المعارضة التي ولدت في بلاد من الاغتراب والشتات السوري، والذي يعبر عن الحالة السورية في كافة أطيافها وشرائحها ومكوناتها التي أصبحت قادرة على الفعل السياسي المتنوع والغني، والتي تشكل إضافة جيدة للمعارضة التقليدية والكلاسيكية في الحياة السياسية السورية؟

ليفانت - ماهر إسماعيل     

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!